م 1986 نُشر ديوان "قصائد للإسلام والحياة"، وهو الديوان الذي جمع بين دفتيه أكثر من "خمسين" مطوَّلة شعريّة، وفي شتَّى الموضوعات. وقد قدَّم سماحة العلاَّمة المرجع للديوان بقوله: "هذه قصائد لم تكتب في وقت واحد، بل كتبت في فترات متباعدة.
فقد يلاحظ القارئ أنّ تاريخ بعضها يرقى إلى ما يقارب الخمس وثلاثين سنة، ولكن يجمعها أنَّها تتّصل بالجانب الإسلامي والسياسي والروحي من الحياة.. وربَّما كان في ملامح بعضها، بعض الاتجاهات الفكريّة التي لا تُمثِّل اتجاهي الآن.. وربّما كان في بعضها، بعض الأحاسيس الذاتية التي لا تلتقي بالأجواء التي أتحرَّك بها في أحاسيسي الخاصّة الآن.
إنَّها تُمثِّل فترة عمر، وتجربة حياة، ومعاناة فكر...
وقد أرادني بعض الأخوان أن أقدِّمها للقرَّاء، لأنّه رأى في الكثير منها وجهاً من وجوه مرحلة تاريخية من مراحل نموّ الحركة الإسلامية وتطوّرها في نتاج أحد العاملين فيها منذ البداية... لا سيَّما أنّ بعض قصائدها كانت تُمثِّل في المرحلة الأولى من الإنطلاقة الإسلامية الواعية في العراق، انطلاقة جديدة فيما كان يحسبُه الناس آنذاك من الجديد...
إنني أُقدِّمها للقرَّاء ـ بدون تعليق ـ راجياً أن يجدوا فيها ملامح مرحلة من مراحل العمل الإسلامي.. فيما يريدً الباحثون أن يرصدوه من تاريخ حركة الإسلام نحو الحياة، في نقاط ضعفها وقوّتها.. فيما يمثله تاريخ العاملين من سلبياتٍ وإيجابياتٍ، وكلِّي أملٌ أن يكون في هذه القصائد بعض من ملامح وعيٍ يمكن أن يُحقق للمستقبل عطاء الإسلام، كما حقَّق بعضهُ في الماضي".
والسّؤال المطروح: ماذا في مقدِّمة السيِّد لديوان "قصائد للإسلام والحياة"، وهو ما يرتبط بشكلٍ وثيق في هذه الإطلالة على السيِّد الشاعر؟
لقد أثار سماحة السيِّد جملةً من المسائل المُتعلِّقة برؤية قصائده للنُّور، فقصائده كما ذكر سماحته:
1ـ هناك فاصلٌ زمني في موضوع كتابتها، وكأنّها جاءت تعبيراً عن الأحداث الجسام
2ـ اتّصالُها التي واكبها السيِّد وعايشها.بالجانب الإسلامي، لأنَّ العلاَّمة المرجع وعى الحياة في عائلة دينيّةٍ عريقةٍ في الفقه والإجتهاد، لهذا مثّلت قصائده قيم الإسلام وعقائده وسماحه وآفاقهُ...
3ـ اتّصالها بالجانب السياسي، حيثُ نشأ السيِّد في الزمن العصيب، زمن الاستعمار والتخلُّف والظُلم والاستبداد، فأثرت النكبات السياسيّة التي عصفت بالأمة الإسلامية والعربيّة في ذاته المرهفة، وعاطفته الجياشة، فإذا به يُطلُّ على الشِّعر الوطنيّ الملتزم بقضايا الأمّة والجماعة.
4ـ اتصالها بالجانب الروحي، لا سيَّما أنَّ السيِّد داعيةٌ إسلاميٌّ، شغف بالدُّعاء، وخلق جنّة أحلامه من خلال علاقته بالله تعالى ورسله وآل البيت الأطهار، ما جعل شعره يفيضُ بالصِّدق والشَّفافية والطُّهر.
5ـ اختلاف الاتجاهات الفكريّة، والأحاسيس الذاتية الخاصة، والتي جعلت تجربة السيِّد تنضج نضجاً تامّاً بالنسبة لشتَّى المراحل، للماضي والحاضر والمستقبل.
6ـ إنَّ "قصائد للإسلام والحياة"، تُمثِّل فترة عمرٍ، عاشه السيِّد آملاً، محباً، عاشقاً، داعية، سياسياً، حركياً ، راثياً، قدوةً...
وتُمثِّل تجربة حياة، وهل العمر سوى تجارب يتعلَّمُ منها الإنسان أسمى دروس المعرفة، ويقتبس من خلالها إدراكاً واعياً وزبدةً وخلاصةً إنسانية، لا سيَّما أنَّه تحرَّك وغرَّد خارج السرب الديني التقليدي.
7ـ ومعاناة فكرٍ، أطلَّ من خلاله السيِّد على ما غزا المسلمين من فكرٍ مضادّ، كان لا بُدَّ من التحرك إزاءه، للمناقشة والتّحليل والتَّعليل، لأنَّ الإسلام دينُ الحوار، والسيِّد آمن منذُ طفولته: أن "لا مقدَّسات في الحوار"، وسيرتُهُ مع والده المقدَّس السيِّد عبد الرؤوف فضل الله تبين ذلك ويقول "عندما بدأت أنفتح جعل مني صديقاً، كنتُ أُناقشهُ في كلِّ شيء وكان يتقبَّلُ ذلك. كنتُ أطرحُ عليه الكثير من تساؤلاتي التي لا يمكنُ أن نطرحها على مجتمعنا لئلاّ تثير كثيراً من التساؤلات حول مدى التزامي الديني أو الفكري...".
8ـ إنَّ القصائد التي سنطلُّ عليها من نافذة هذا المدخل مثّلت وجهاً من وجوه مرحلةٍ تاريخيّة من مراحل نموّ الحركة الإسلامية وتطوّرها في نتاج أحد العاملين فيها منذُ البداية، لأنّ السيِّد أراد منذُ انطلاقته في النّجف الأشرف العمل على إدخال الإسلام إلى واقع الحياة السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصادية والإنسانيّة، ولم يجعله يُحَلِّقُ في رحاب المثالية والأحلام، أو يُقَوْقِعهُ في زنزانة التّاريخ، فهو مسلم حركيٌّ عاملٌ في قلب الحركة الإسلامية التي فهم همومها ووعى قضاياها، وسنَّ لها المبادئ ونظّر لفكرها الأصيل، ما أوحى إليه أنها كانت انطلاقة واعية وحركةً مسؤولة وجديدة على صعيد ما ألفه الناس واعتادوه...
9ـ رصْد القصائد للإيجابيات والسلبيات من مراحل العمل الإسلامي، ليستلهم العاملون من الضّعف قوّةً، فالهزيمةُ مثلاً ليست نهاية المطاف، وإنّما علينا أن نتخذ منها سبيلاً للنّصر، والدين ليس أفيوناً يشلُّ حركة الشعوب، بل هو فكرٌ تحرريٌّ، ونظامُ حقٍّ، ومحبةٌ ساميةٌ، وعدالةٌ موحيةٌ، ولنُثابر على نقاط القوّة لنخلق من وحيها إبداعاً وابتكاراً، وعملاً خلاّقاً يواكب الأجيال في سيرها الحثيث إلى الحريّة والرقي والتقدُّم.
من هذا المعين سالت إيحاءاته الشِّعريّة، وفاض الشِّعرُ نهراً تدفَّق يروي عطش الظَّامئين إلى الحكمةِ والبيانِ والمعرفة.